يمكن القول إن الجنرال "جون إبي زيد" يقود أقوى قوة عسكرية في التاريخ. فالقوات التابعة للقيادة الوسطى التي يرأسها موزعة - في عرض باهر للقوة الأميركية- على مساحة من الأرض تمتد من مصر إلى باكستان، كما أنه يسافر وهو مصحوب بحكومة مصغرة: مسؤول كبير من وزارة الخارجية لتدبير أمور الدبلوماسية، ومسؤول كبير من السي. آي. إيه للإشراف على الأمور الاستخبارية، وحاشية من الجنرالات للإشراف على العمليات والشؤون اللوجيستية. وإذا ما افترضنا أن هناك إمبراطورية أميركية على غرار الإمبراطورية الرومانية فإن الجنرال أبي زيد سيكون قائدها الميداني.
ولقد سافرت مع أبي زيد هذا الشهر في الجولة التي طاف بها بالعراق ومناطق أخرى من مناطق قيادته، وسمعته وهو يتحدث على مدار أيام عما أطلق عليه "الحرب الطويلة" لاحتواء التطرف الإسلامي في مسرح العمليات المضطرب التابع للقيادة المركزية الأميركية. كما تحدثنا عن الجبهة العراقية، وعن التحدي الأطول مدى، الخاص بعملية التغيير في الشرق الأوسط، والتي يرى أبي زيد أنها الهدف الاستراتيجي النهائي لأميركا.
والذراع الطويلة للقيادة المركزية التي تتخذ من قطر مركزاً لها تمتد في جميع الاتجاهات: غرباً إلى قاعدة الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، وشمالا حيث حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" وقوة الواجب التي تجوب مياه الخليج، وشرقاً إلى أفغانستان، وجنوباً إلى القرن الأفريقي.
على الرغم من القوة الهائلة لأميركا، فإن الحرب الطويلة التي بدأتها في الشرق الأوسط تستدعي إلى الأذهان بعض الأسئلة: ما هي طبيعة العدو؟ ولماذا تواجه أميركا صعوبة في التغلب عليه على الرغم من قوتها الهائلة؟ وكيف سيكون شكل النصر في العراق وفي غيره من المناطق في العالم الإسلامي؟ وإلى متى سيستمر الصراع؟.
ليس هناك من هو أفضل من أبي زيد في تقديم الإجابات على هذه الأسئلة نظراً لطبيعة منصبة من جهة، ونظراً لارتباطاته العاطفية والثقافية بالمنطقة من ناحية أخرى. فأبي زيد في الأصل ينتمي إلى عائلة من المهاجرين الذين جاءوا إلى أميركا من لبنان في سبعينيات القرن التاسع عشر، كما أنه رجل يجيد العربية وقارئ ممتاز يتمتع بالقدرة على تحليل القضايا المعاصرة على خلفية من التاريخ.
يعتقد أبي زيد أن الحرب لا تزال في مراحلها الأولى، وأن النصر فيها سيتحقق من خلال عملية تحديث مطردة للعالم الإسلامي تكفل له في النهاية الانخراط في الاقتصاد العالمي والنظام السياسي المفتوح. والعدو الرئيسي لأميركا في هذه الحرب- في رأي أبي زيد- يتمثل في "الجهاديين السلفيين" أو المسلمين المتطرفين، الذين يستخدمون العنف بهدف إعادة تأسيس الحكومة الإسلامية النقية في صورتها التي كانت عليها، حسب تصورهم، على عهد النبي محمد. وهؤلاء الجهاديون السلفيون يستخدمون تقنية القرن الحادي والعشرين لنشر رؤيتهم عن الجنة التي كانت قائمة في القرن السابع الميلادي.
والوعاظ السلفيون الذين يقودون هؤلاء الجهاديين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم يمثلون طليعة مهمتها دفع الآخرين إلى التطرف، من أجل الإطاحة بقادتهم. وأبي زيد يشبه هؤلاء الوعاظ بلينين وتروتسكي وغيرهما من زعماء البلاشفة كما يشبه تقلصات الفوضى والإرهاب في العالم العربي بأنها شبيهة بما ساد في أوروبا منذ 150 عاماً، ويعتبرها جزءاً من عملية تغيير مجتمعي يتداعى فيها نظام قديم ويحاول نظام آخر جديد الخروج إلى النور.
أبي زيد لا يستخرج دروساً معينة من التاريخ، ولكن هناك عدة استنتاجات واضحة يمكن استمدادها من نظرته التاريخية: إذا ما كان زعماء الجهاديين يشبهون البلاشفة من حيث إنهم لا يستسلمون ولا يفاوضون، فإنه لا مفر أمام أميركا في هذه الحالة من أسرهم أو قتلهم، وهو ما سيتطلب صراعاً قذراً ممتداً يختبر فيه كل طرف إرادة الآخر، وهو ليس من نوع الصراعات التي تبرع فيها الديمقراطيات.
ولكن نظراً لأن ساحة الحرب هي المجتمع ذاته، فإن أميركا لا تستطيع أن تنظر إلي تلك الحرب نظرة عسكرية محضة، وإنما تنظر إليها على أنها حرب تغيير في الأساس تماماً مثل عملية التغيير والتحديث التي تمت في أوروبا على مدار مئة عام كاملة. ويرى أبي زيد أن العدو الذي تواجهه أميركا في هذه الحرب يتميز بخطورة خاصة لأنه نجح في المزج بين العقيدة السلفية وبين أحدث ثمار التكنولوجيا مثل الإنترنت ولأن أقوى الأسلحة الموجودة في حوزته هي سلاح الإعلام.
والطليعة السلفية في نظر أبي زيد تسعى إلى تحقيق النصر على أميركا من خلال ما يسميه "أسلحة التأثير الشامل"، التي يقصد بها العمليات الكبرى مثل الحادي عشر من سبتمبر، والهجمات الانتحارية في بغداد، وعملية قطع الرؤوس البشعة في الفلوجة وهي كلها عمليات تهدف إلى هز أميركا وحلفائها من خلال استخدام وسائل الإعلام.
ويعتقد أبي زيد أن استراتيجية الفوز في العراق وفي العالم الإسلامي بأسره تتمثل في قيام أميركا بعزل الطليعة الجهادية عن المسلمين العاديين الذين يريدون الحياة الأفضل والرفاهية والتواصل مع